منبر الحوار العام



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منبر الحوار العام

منبر الحوار العام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ملتقى الطاقة العربي

    avatar
    البتار
    مدير المنبر
    مدير المنبر


    عدد المساهمات : 60
    نقاط : 119
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 02/10/2009

    ملتقى الطاقة العربي Empty ملتقى الطاقة العربي

    مُساهمة من طرف البتار الجمعة أكتوبر 02, 2009 10:48 pm

    ملتقى الطاقة العربي والفكر العربي النفطي (1 من 2)

    د. أنس بن فيصل الحجي

    عقد في الأسبوع الماضي في العاصمة اللبنانية بيروت الاجتماع الثالث لملتقى الطاقة العربي والذي حضره عدد غفير من خبراء الطاقة العرب من شتى أنحاء العالم. وتأتي أهمية هذه الاجتماع بأنه جاء مباشرة بعد موافقة الحكومة اللبنانية على إنشاء الملتقى وجعل بيروت مقرا له.
    وللملتقى ستة أهداف هي:
    أ‌) تعميق الحوار والتواصل بين المختصين والمهتمين بشؤون الطاقة في البلاد العربية.
    ب‌) مناقشة أوضاع قطاع الطاقة في البلدان العربية، خصوصا النفط والغاز، وسبل تطوير مساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
    ج) مناقشة أوضاع ومستجدات وعلاقات الطاقة العالمية بما في ذلك الطاقات المتجددة وآثارها في المنطقة العربية.
    د) تعميق الوعي بقضايا الطاقة وتقاطعها مع البيئة والتنمية في البلدان العربية.
    هـ) تبادل المعلومات والتحليلات والاتصالات مع المراكز والمنتديات واللقاءات ذات العلاقة.
    و) تشجيع إنشاء مراكز أبحاث مختصة بشؤون الطاقة في الجامعات والمعاهد العليا في البلدان العربية على أن تطبق البنود المذكورة أعلاه وفقا للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء وبعد موافقة الجهات الرسمية المختصة.

    أهمية الخلفية الفكرية
    وبهذه المناسبة أود إعادة طرح فكرة ''الفكر النفطي العربي''، وإعادة ما نشر سابقا حول الموضوع لقناعتي بأن أعضاء الملتقى أكثر الناس أهلية للتعامل مع طروحات هذا الفكر. فمما لا شك فيه أن أعضاء الملتقى سيركزون على قطاعات الطاقة كافة سواء في جانب الإنتاج أو الاستهلاك، من النواحي الاقتصادية والمالية والسياسية والاستراتيجية والبيئية، ولكن أدلي بدلوي هنا كي أبرز أهمية الجانب الفكري لهذه الأمور، خاصة أن نقاط الخلاف أصلا ونهاية بين الدول المختلفة والهيئات المتعددة هي نقاط ''فكرية''. إن نظرة سريعة للأهداف الستة المذكورة أعلاه توضح أنه لا بد أن ترتكز هذه الأهداف على فكر ما. مثلا، إذا تم تبني نظام السوق كفكر، فإن للأهداف المذكورة معنى يختلف تماما عن معناها في ظل نظام آخر. وفي ظل أي فكر، لا بد من ظهور نظريات متعددة تمثل المدارس الفكرية التي يرتكز عليها هذا الفكر.
    إن النفط هو المصدر الأساس للدخل في أغلب الدول العربية. كما يلعب النفط دوراً كبيراً في حياة العرب اليومية سواء أرادوا ذلك أم لا, خاصة أن السياسات العالمية وكثيرا من الأحداث العظمى التي حلت في وطننا العربي خلال العقود الأخيرة ارتبطت بالنفط. بل يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليقول إن اتفاقية سايكس بيكو ورسم الحدود بين الدول العربية حكمته حدود حقول النفط أكثر من أي أمر آخر. المشكلة تكمن في أن الغربيين والشرقيين يتعاملون مع العرب على أنهم ملاك النفط, فيرسمون سياساتهم تجاه العالم العربي بناء على النفط, الأمر الذي نتج عنه تراث فكري نفطي ضخم في مجال السياسة والاقتصاد والقانون, بينما لا يتوافر الأمر نفسه عند العرب. ومن المؤسف أن نجد أن الجماهير العربية تأكل وتشرب وتلبس من وراء النفط, ولكنها لا تعرف عنه إلا النذر اليسير. وأشدد هنا على تعبير ''الجماهير العربية'' لأنه حتى الدول العربية غير النفطية تستفيد من النفط إما عن طريق الإعانات الحكومية المباشرة أو عن تشغيل الألوف من الناس من الدول غير النفطية في الدول النفطية. إن هناك حاجة ماسة لتكوين وتطوير ''فكر عربي نفطي'' هدفه التعامل مع الفكر الغربي وتصحيح مفاهيمه الخاطئة, وتربية الأجيال العربية على مفاهيم عامة تتعلق بالموقف العربي من أمور النفط العالمية. إن عدم مناقشة مواضيع فكرية تتعلق بالنفط العربي في المؤتمرات العربية يعكس خللاً خطيراً عانى منه العالم العربي على مدى الخمسين سنة الماضية، يتمثل في ندرة المختصين والمنظرين في هذا المجال, رغم اعتماد دخل الوطن العربي بشكل شبه كامل على النفط! وهنا لا بد من التنويه أن كلمة ''عربي'' هنا لا علاقة لها بالمفهوم السياسي القومي, وإنما هو مفهوم جغرافي تحكمه العوامل الجغرافية أكثر من أي شيء آخر, خاصة أن الغرب يربط النفط بـ ''العرب'' أكثر من ''المسلمين''.

    الغرب و''أكدمة'' العداء
    لقد استطاع الغرب خلال الـ 30 سنة الماضية تكوين وتأصيل وتأطير فكر نفطي معاد للعرب، يتمثل في الكم الهائل من المقالات والكتب والمواقف السياسية والسياسات الاقتصادية واستراتيجيات الطاقة, إضافة إلى قدرته على خلق تعابير وجمل وكلمات التصقت بهذا الفكر وأصبحت جزءاً منه. فقد استطاع هذا الفكر تأصيل كلمة ''كارتل'' ولصقها بـ ''أوبك'' ظلماً وعدواناً, كما استطاع إدخال تعبير ''أمن الطاقة'' كتعبير سياسي شائع رغم أنه لم يستطع أحد حتى الآن تحديد معناه, إلا أن أحد إسقاطاته ''تخفيف الاعتماد على النفط العربي''. كما استطاع هذا الفكر ربط كلمة ''عرب'' بـ ''النفط'', وربط كلمة ''عرب'' بـ ''عدم الاستقرار''. واستطاع هذا الفكر ربط كلمة ''عرب'' بالاستغلال'' بعد أن أقنع مئات الملايين من البشر بأن تكاليف إنتاج النفط في الدول العربية منخفضة جداً ولا تتجاوز بضع سنتات أمريكية, ومع ذلك يقوم العرب ببيع النفط بعشرات أضعاف ذلك السعر! واستطاع الغرب أكدمة (أو منهجة) هذه الفكرة عن طريق إلغاء نظرية ''تكلفة الاستعمال'' من كتب الاقتصاد الجزئي واستخدام ''التكلفة الحدية'' بدلاً منها. واستطاع هذا الفكر في السنوات الأخيرة في ربط كلمة ''النفط'' بـ ''الارهاب'', بعد أن نجح على فترة طويلة من الزمن في ربط كلمة ''عرب'' بـ ''الإرهاب''.
    واستطاع الفكر الغربي, وبدعم مالي من شركات النفط العالمية, من تغيير التاريخ العربي النفطي، حيث صور العرب في أوائل القرن الماضي بأنهم جهلة وقتلة لا هم لهم إلا البحث عن الماء والكلأ والنساء, بينما صور الرحالة الغربيين ومكتشفي النفط بأنهم عباقرة ومفكرون تمتعوا بالإنسانية والعصامية وحب الاستكشاف. هل تعد هذه الفكرة مهمة بالنسبة للفكر العربي النفطي؟ نعم بالتأكيد, لأن الفكر الغربي يحاول من خلال إعادة كتابة التاريخ بهذا الشكل أن يوضح أنه رغم وجود هذا النفط في العالم العربي، إلا أنه نفط غربي تم اكتشافه وتطويره على يد الغربيين, لذلك فهو نفط أنجلو - ساكسوني يمكن استخدام جيوش الدول الأنجلو - ساكسونية لحمايته! لقد سمعت بأذني عددا من الأمريكيين يقولون إن النفط في الخليج هو نفط أمريكي بسبب قيام أمريكيين باكتشافه وتطويره! إن الفكر الغربي يتجاهل تماماً دور العمال العرب في حفر كل الآبار التي تم فيها اكتشاف النفط لأول مرة في الخليج. كما يتجاهل الرحالة والتجار الخليجيين الذين كانت تصل سفنهم إلى الصين واليابان قبل اكتشاف الأوروبيين للنفط في الخليج بمئات السنين, السفن التي كانت تطلى بـ ''القار'' لمنع الماء من التسرب إلى هذه السفن الخشبية, والقار نوع من النفط الثقيل الذي كان يخرج إلى سطح الأرض أو يتم استخراجه عن طريق حفر آبار سطحية. لقد عرف العرب النفط وتركيبه الكيميائي منذ عدة قرون وسموه بـ ''النفط'', بينما لم يعرفه الأوروبيون إلا في وقت متأخر, وحتى عندما عرفوه سموه بـ ''الزيت'', لتشابهه مع الزيوت النباتية! لقد عرف النفط منذ زمن سحيق, ولكن العرب المسلمين كانوا أول من وضع الإطار القانوني لاستعماله واستخراجه, قبل أن يفعل ذلك الغربيون بنحو ألف سنة! نعم, ألف سنة!
    ونجح الغرب في أكدمة ومنهجة بعض هذه الكتابات حتى اكتسبت الصفة الأكاديمية والعلمية, رغم أنها كتابات تفتقر إلى أصول البحث العلمي. لقد استطاع الغرب أكدمة العداء للعالم العربي من خلال هذه الكتابات، لدرجة أن رسائل الدكتوراة التي يكتبها الطلاب العرب في الجامعات الغربية أصبحت ''من فمك أدينك''! أما مؤتمرات النفط الخليجية التي عقدت في الأعوام الماضية في كل من دبي، والدوحة، ومسقط والمنامة, فقد أصبحت مجالاً للتندر لأنها تعقد في عقر دار الدول النفطية وتتبنى آراء وكالة الطاقة الدولية والدول الغربية وأغلب متحدثيها من مؤصلي الفكر الغربي المعادي للعرب! لذلك فإن عملية تكوين فكر عربي نفطي ستكون صعبة الحمل, صعبة المخاض, صعبة الولادة, وصعبة النشأة, خاصة أنه من الصعب تكوين هذا الفكر بشكل مستقل بحيث لا يكون كردة فعل للفكر الغربي. ولكن لا بد من تكوين هذا الفكر مهما كانت الصعوبات، لأنه لا يمكن على الإطلاق إجراء حوار بين المثقفين العرب والمثقفين الغربيين دون التعرض لموضوع النفط: فالعرب يملكون أغلب احتياطيات النفط في العالم, ووفقاً للغرب فإن أموال النفط هي التي تفرخ الإرهاب, وهي التي تمول المساجد في أماكن مختلفة من العالم. كما يعتقد الغربيون أن العرب سببوا كارثة اقتصادية للعالم الغربي في السبعينيات بسبب المقاطعة النفطية العربية للولايات المتحدة وهولندا. ولا يمكن عزل النفط عن الصراع العربي – الإسرائيلي، لأن أموال النفط هي التي تمول الانتفاضة والحركات الفلسطينية بطريقة أو بأخرى.
    لهذا فإننا في حاجة ماسة إلى فكر عربي نفطي يتميز بالإنسانية والموضوعية والعدالة والعالمية بعيداً كل البُعد عن ردة الفعل والعواطف والعنصرية والانتهازية. إن أخطر أمر يواجه تكوين هذا الفكر هو أن يتكون كردة فعل للفكر الغربي, حيث عليه أن يتكون ذاتياً بناء على تراثنا العربي الإسلامي بمفاهيمه الإنسانية العالمية. (يتبع في الحلقة المقبلة

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء أكتوبر 02, 2024 2:31 pm